إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه logo إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه
shape
فتاوى في الطهارة الشرعية وموجباتها
14675 مشاهدة print word pdf
line-top
الفصل السابع التيمم وشروطه

التيمم هو: التمسح بالتراب الطيب بنية رفع الحدث ؛ ودليله قول الله -تعالى- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وذلك لأن الماء الذي يستعمل في رفع الحدث قد يفقد في الأسفار والقفار، ويشق على المسافر حمله في السفر الطويل، وإذا حمل الماء أمسكه للشراب والأكل، فأباح الله له الطهارة بالتراب، من باب الامتثال. وهو من خصائص هذه الأمة؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي... جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة صلى حيث كان الحديث .
وله شروط (أولها) دخول الوقت، فلا يتيمم قبل الوقت للفريضة، ولا في وقت النهي للنافلة، والدليل قول النبي -صلى الله عليه وسلم- فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فعنده مسجده وطهوره ؛ فدل على أنه لا يتيمم حتى تدركه الصلاة، أي يدخل عليه وقتها؛ وعلى هذا فيلزمه أن يتيم لكل صلاة صلاها في وقتها، وإذا تيمم صلى بذلك التيمم فروضا ونوافل، حتى يدخل الوقت الثاني، أو يخرج وقت التي توضأ لها.
(الشرط الثاني) عدم الماء؛ لقول الله -تعالى- فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا فإن كان الماء موجودا لم يصح التيمم، والمراد الماء الطهور الزائد عن حاجة أهله، فإن وجد ماء نجسا تيمم وتركه، وإن كان معه ماء قليل حبسه للشرب، والطبخ ونحوه، و لم يلزمه استعماله؛ مخافة العطش، والضرر الذي لا يقدر على دفعه؛ فإن الوضوء له بدل بخلاف الشرب ونحوه.
واشترط بعض الفقهاء (شرطا ثالثا) وهو طلب الماء؛ لمفهوم قوله -تعالى- فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً ؛ حيث يفهم أن المعنى طلبتم الماء ولم تجدوه. والطلب أن يبحث في رحله، ويتفقد ما حوله، فإذا رأى خضرة يظن أن حولها ماء من المطر، أو عندها نهر أو بئر لزمه البحث هناك، لكن الراجح أنه متى تحقق وعلم عدم الماء -بحكم معرفته لذلك المكان، وأنه ليس موضع إمساك للماء ولا يعهد فيه آبار ولا سكان- فلا حاجة إلى الطلب أو التنقيب.
فإن عدم الماء في الحضر ولم يستطع الحصول عليه بثمن مثله، أو بعمل بدني لتحصيله جاز له التيمم، فإن وجده بثمن لا يقدر عليه، أو في بئر ولا دلو معه، ولم يستطع النزول إلى الماء في البئر، فهو كعادم الماء. ثم إذا طلب الماء ولم يجده فصلى بالتيمم ثم وجد الماء بعد الصلاة لم يلزمه إعادة الصلاة؛ لأنه قد فعل ما يلزمه، فبرئت ذمته، فإن وجد ماء قليلا غسل نه بعض أعضائه ثم تيمم للباقي، وإن وجد الجنب ماء قليلا توضأ به وغسل بالباقي بعض جسده كرأسه، وعنقه، ثم تيمم لباقي جسده حتى يجد الماء فيغتسل به.
ثم إن التيمم على الصحيح يرفع الحدث رفعا مؤقتا؛ لحديث أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قال رسول -صلى الله عليه وسلم- الصعيد الطيب طهور أحدكم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته، فإن ذلك خير. رواه أحمد وأهل السنن (2)، وصححه الترمذي وهو دليل على أنه يصلي بالتيمم حتى يجد الماء وإن طالت المدة.
ويجوز التيمم للمريض الذي يعجز عن استعمال الماء، أو يشق عليه الوصول إليه، ولا يجد من يناوله الماء، أو يصب عليه؛ لقول الله -تعالى- وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ - إلى قوله- فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا الآية.
وإذا أقبل على الماء، أو ظن أن يجيء من أرسله للاستقاء؛ فإنه يؤخر الصلاة حتى يصل الماء فيتوضأ به، فإن خاف خروج الوقت قبل الوصول إلى الماء فله التيمم والصلاة به، فإن صلى في أول الوقت يظن عدم الماء أو بعده، ثم وجده الماء بعد الصلاة لم يلزمه أن يعيد؛ ففي حديث عطاء بن يسار خرج رجلان في سفر، فحضرت الصلاة وليس معهما ماء، فتيمما فصليا، ثم وجدا الماء في الوقت، فأعاد أحدهما، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- للذي لم يعد: أصبت السنة، وقال للذي أعاد: لك الأجر مرتين رواه بعض أهل السنن مرسلا وموصولا .

line-bottom